Friday, August 6, 2010

قصة ظهور مذهب التفويض

الذي يبدو والله أعلم أن مذهب التفويض ظهر على أيدي الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب ت 241هـ ومن وافقه كالحارث المحاسبي ت 243 هـ والقلانسي ثم تلامذة ابن خزيمة أبي علي الثقفي وأبي بكر الصبغي وكلاهما من الشافعية ، وقد ذكر هذا الشيخ أحمد القاضي في كتابه التفويض .
وهؤلاء الكلابية كانوا أقرب إلى السلف زمناً وطريقة من منهج المتكلمين كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة ( 1 / 105 ) .
وقد توسط الكلابية بين منهج السلف الذي يعتمد النقل والأثر ومنهج المتكلمين من المعتزلة والجهمية الذي يعتمد المنهج العقلي المنحرف ثم اختار أبو الحسن الأشعري ت 324هـ هذا المنهج وارتضاه _ في مرحلة المتوسطة بعد أن ترك الاعتزال _ ولذا جمع ابن فورك الأشعري كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول ، كما ارتضى مذهب الكلابية أبو منصور الماتريدي وذلك أن أبا الحسن الأشعري عاصره عالمان من الحنفية :
أحدهما : أبو جعفر الطحاوي ت 321 هـ صاحب العقيدة المشهورة عند أهل السنة وقد تلقاها الأئمة بالقبول ، إلا أن كثيرا ممن شرحها كانوا ماتريدية فأولوا عبارات الطحاوي وشرحوها وفق معتقد الماتريدية حتى جاء الإمام ابن أبي العز الحنفي ت 792هـ فشرحها وفق منهج السلف .
والثاني : أبو منصور الماتريدي ت 333هـ وهو مؤسس عقيدة الماتريدية ، وكان في بلاد ما وراء النهر .
والمقصود أن معتقد الكلابية ثم الأشاعرة والماتريدية كان خليطاً من الإثبات الذي يقول به السلف والتأويل الذي يقول به المتكلمون من المعتزلة والجهمية فمن ثم جمع الأشاعرة والماتريدية بين هذين المسلكين ( التأويل والتفويض الذي يظن أنه مذهب السلف ) وكان أتباع هذين المذهبين يغلب عليهم أحد المسلكين فبعضهم يسلك التأويل مدعياً أنه مسلك العلم وبعضهم يسلك مسلك التفويض مدعياً أنه الأسلم ولذا نرى من أصحاب مذهب الكلابية من كان من مدرسة أهل الحديث كبعض تلاميذ ابن خزيمة وقد حصل له رحمه الله معهم مناورات ومناظرات مشهورة ذكرها غير واحد كالحاكم النيسابوري وأشار إليها ابن تيمية والذهبي رحمهم الله .
وكان من أوائل القائلين بالتفويض الماتريدي في كتابه التوحيد ( ص 74 ) وينظر كتاب الماتريدية لأحمد عوض الحربي ( ص 162 - 166 ) وإن كان يسلك مسلك التأويل أيضا .
وتبعه على هذا تلميذه أبو القاسم الحكيم السمرقندي ت 342هـ وسلك مسلك التفويض مطلقاً .
وقد كان متقدمو الأشاعرة يميلون إلى التأويل كالخطابي ت 388هـ وابن فورك ت 406هـ في كتابه التأويلات ورد على مذهب المفوضة في كتابه مشكل الحديث وبيانه وهو يخالف بهذا أغلب الأشاعرة الذين ينسبون هذا المذهب للسلف .
ثم جاء القاضي أبو يعلى ت 458هـ فدافع عن مذهب المفوضة ورد على ابن فورك في كتاب سماه إبطال التأويلات .
وقد عاصر القاضي أبا يعلى الإمام البيهقي ت 458هـ وكان ابن فورك من شيوخه وألف كتاب الاعتقاد والأسماء والصفات وهو تارة يفوض وتارة يؤول وإن كان يميل إلى التأويل أكثر متأثراً بشيخه ابن فورك والحليمي ومتأثراً بما كتبه الخطابي أيضاً .
ثم يأتي أبو المعالي الجويني إمام الحرمين ت 478هـ وينتهج في أول أمره منهج التأويل كما في كتابه الإرشاد ثم ينتقل إلى مذهب التفويض كما في النظامية ، و يظهر القول برد الصفات الخبرية وقد كان المتقدمون من الأشاعرة قبله يثبتونها باتفاق كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وأما تلميذه الغزالي ت 505هـ فيميل إلى التأويل وإن كان يرى أن التفويض أسلم في حق العوام كما في كتابه إلجام العوام عن علم الكلام .
ثم جاء أبو المعين النسفي الماتريدي ت 508 هـ وجوز الأمرين التأويل والتفويض .
ثم جاء تلميذ القاضي أبي يعلى وهو أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي ت 513هـ وكان قد تاثر بالمعتزلة وخالطهم ثم تركهم وكان يسلك مسلك التأويل تارة ويوجبه تأثراً بمنهج المعتزلة كما في الواضح وفي كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه وينفي الصفات الخبرية موافقة للمعتزلة ، وتارة يسلك مسلك التفويض تأثراً بشيخه القاضي أبي يعلى ويثبت الصفات الخبرية ويذم التأويل كما في كتاب الانتصار لأصحاب الحديث .
ثم جاء الشهرستاني صاحب الملل والنحل ت 548هـ وذكر في كتابه الملل والنحل المسلكين التأويل والتفويض على سبيل التخيير .
ثم جاء أبو الفرج ابن الجوزي ت 596هـ تلميذ ابن عقيل لكنه سلك مسلك التأويل والف كتابا في هذا وهو ( دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ) يرد فيه على المثبتة من السلف والمفوضة كالقاضي أبي يعلى مع أنه يقول بالتفويض أحياناً كما في كتابه تلبيس إبليس ( ص 106 )
ويقرر نجم الدين : بكبرس بن يلنقلج الماتريدي ت 652هـ في كتابه الضوء اللامع _ نقلا عن كتاب الماتريدية لأحمد عوض _ أن مذهب الماتريدية هو التفويض بإطلاق .
وأما ابن الهام الحنفي ت 861هـ فيغلب التفويض ويرى التأويل أحيانا للحاجة كما في المسايرة .
ثم يأتي تلميذه ابن قطلوبغا الماتريدي ت 879 هـ ويسلك مسلك الغزالي في التفريق بين العلماء والعوام .

فهذه قصة ظهور مذهب التفويض ولكن حيث كان الكل متفق على الصفات السبع أو الثمان كان الكلام في الأغلب بين أهل السنة والأشاعرة والماتريدية هو في الصفات الخبرية دون الصفات العقلية وفي إثباتها أو نفيها او تأويلها أو تفويضها . والله أعلم

No comments:

Post a Comment